بحث الوقائع الاقتصادية في الثورة الصناعية
في أواخر القرن السابع عشر كان معظم الناس مجبرين على العمل في أراضي لم يكونوا يمتلكونها وكانت هذه الأراضي ملك لطبقة معينة عرفوا أنذاك باسم الأرستقراطيين حيث كانت هذه الفئة تعيش في الترف على حساب الطبقة العاملة (الكادحة) ، فزيادة على عمل الحقول كانوا عبارة عن عبيد في قصور ومنازل الأسياد ، وقد وجد هذا النظام منذ قرون.
في المقابل بدأت تظهر في مدن إنجلترا و الولايات المتحدة بعض الاختراعات المتميزة و الاستثنائية تغيرت معها حياة وطريقة عمل الناس تدريجيا ، حيث وجدوا طرق جديدة لاستغلال مصادر الطاقة الطبيعية كالآلات التي اشتعلت بطاقة المياه والبخار فعوضت بدورها العمل اليدوي البسيط فهي تقوم بنفس العمل وبطريقة أسرع وأرخص عل نحو مذهل فشيدت لها مصانع ضخمة لاحتواء هذه الآلات وزيادة الإنتاج ، وعرف عن هذا التحول من اليد إلى الآلة بـ: (المكننة) ، فكانت معامل النسيج بإنجلترا من أولى المصانع فالآلة الواحدة كانت تقوم بعمل خمسين شخص ، وتطورت معها بالمقابل طرق المواصلات كالقطارات التي تمشي على السكك الحديدة التي مكنت من ربط المصانع بالأسواق في أنحاء العالم.
المبحث الأول: أهم المفاهيم المتعلقة بالثورة الصناعية
عرف العالم مع بداية النصف الثاني من القرن الثامن عشر تغيرًا وتطورًا في الميدان الصناعي شمل وسائل الإنتاج المختلفة وسمي بالثورة الصناعية التي ظهرت ملامحها الأولى في أوروبا خاصة ثم امتدت إلى مناطق أخرى من العالم. فماذا تعني الثورة الصناعية ؟
المطلب الأول: ماهية الثورة الصناعية
وهي التطورات الكبيرة التي عرفتها الصناعة في أوروبا عامة وإنجلترا خاصة ابتداء من نصف القرن الثامن عشر والتي أدت إلى حدوث تحول كيفي في فنون الإنتاج الصناعي حيث تم الانتقال من الصناعة اليدوية التي تعتمد على عمل الإنسان (أدوات عمل بسيطة) إلى الصناعة الآلية التي تدفعها قوة محرك ، أو ما يعرف باختصار (المكننة) ، حيث عرفت أوروبا في هذه المرحلة موجة عارمة من الاختراعات و الاكتشافات ساهمت في تطوير مختلف فروع الصناعة كصناعة الحديد وتعدين الفحم وصناعة المنسوجات ، وبدورها ساهمت طاقة المحرك في حدوث زيادة هائلة في كل من الإنتاج وتكوين رأس المال ، وأصبحت الصناعة على إثرها النشاط الرئيسي في الاقتصاد الوطني .
المطلب الثاني: مراحل بروز الثورة الصناعية
مراحل ما قبل الثورة:
كانت الصناعة في معظم المجتمعات في العصور الوسطى عملا ثانويا لشغل أوقات الفراغ لقليل من الناس، وذلك لاعتماد جميع هذه المجتمعات وخاصة الأوروبية على الزراعة اعتمادا كليا لانتشار نظام الإقطاع بأوربا.
عندما استتب الأمن في أوروبا في أواخر العصور الوسطى وتحرر الفرد من قيود النظام الإقطاعي، استخدم بعض الناس أموالهم في شراء المواد الخام وسلموها إلى الزّراع في منازلهم نظير أجر متفق عليه. ثم يأخذون المصنوعات ويبيعونها كما يشاءون ويعرف هؤلاء باسم الوسطاء، و قد أدى ذلك إلى ظهور بعض المصانع.
مراحل أثناء الثورة:
في خلال هذه الفترة تقدمت صناعة القطن والتعدين واستخدام البخار في تسيير الآلات ثم كان أخيرا تطور وسائل النقل ومن بين الصناعات التي ظهرت :
استخدام البخار: تمكن العالمان (نيوكومن) و(سافري) منذ 1698م من الكشف عن قوة البخار ثم استخدماها في الصناعة. ثم جاء العالم (جيمس وات) سنة 1760م وعمل على تحسين هذه المخترعات، وبدئ في استخدام البخار في صناعة القطن والصوف وغيرها إلى منسوجات، ونتيجة للمخترعات السابقة ارتقت صناعة التعدين وتمكن العالم (بسمر) سنة 1856م من الوصول لتحويل الحديد إلى صلب لاستخدامه في صنع الآلات التي تتطلب المقاومة زمنا طويلا.
وسائل النقل :في ميدان وسائل النقل، جرى الاهتمام في البداية بشق الترع والقنوات المائية بطرق علمية وهندسية جديدة، ثم ظهرت صناعة السكك الحديدية والعربات وما يمكن ملاحظة ما يلي :
- استعمل البخار في تسيير الزوارق على يد المهندس الاسكتلندي (سيمنجتن) 1802م
- في عام 1806م أنشأ (روبرت فولتن) الأمريكي زورقا بخاريا من الخشب.
- وفي سنة 1823م كانت القوارب البخارية تسير بأعداد كثيرة في أنهار انجلترا ثم استطاعت عام 1828م أن تعبر المحيط الأطلسي.
- وفي 1830م استخدم البخار في المواصلات البرية عندما أنشأ (جورج ستيفنسن) أول خط حديدي بين ليفربول ومانشستر، وفي ميدان وسائل المواصلات السلكية واللاسلكية، استطاع (مورس) أن يكتشف التلغراف، واكتشف (جراهام بل) الهاتف، واكتشف (هرتز) الموجات الجوية، و (ماركوني) الراديو اللاسلكي، وبذلك أصبحت الأخبار والخدمات التجارية تنتشر بسرعة وبأقل مجهود، وطويت المسافات الطويلة التي كانت تفصل البلدان والشعوب والقارات عن بعضها البعض.
في هذه المرحلة، أصبحت الصناعة تسير قدما نحو الرقي على أسس وقواعد سلمية وبدأ عصر الإنتاج الكبير في الصناعة، بحيث تعدت هذه النهضة الصناعية حدود إنجلترا إلى بقية أنحاء أوروبا ثم إلى أمريكا، ووصلت صناعة النسيج من قطن وصوف إلى درجة كبيرة من الإتقان، وأخذت الآلات تحل محل الأيدي العاملة في مختلف المجالات اليدوية الأخرى، كصناعة الأحذية والطحين والغسيل ...الخ.
المبحث الثاني: العوامل المساعدة على قيام الثورة الصناعية
المطلب الأول: العامل الاجتماعي والتكنولوجي
العامل الاجتماعي يتمثل في:
التزايد الديموغرافي (السكاني): شهد معدل نمو السكان بأوروبا ارتفاعا كبيرا وملحوظا منذ القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر وهذا لانخفاض معدل الوفيات ،مما غطى احتياجات مختلف المصانع لليد العاملة وزيادة الإنتاج وكذا ظهور البحث العلمي والاختراعات التي ساهمت في زيادة الإنتاج وتحسينه ،من دون أن ننسى زيادة الطلب على المنتجات وتنويعها مما شجع على التقدم الصناعي.
وفي التكنولوجيا ظهر:
التطور العلمي: ساعد التطور العلمي والاكتشافات العلمية إلى اختراع الآلات المتعددة التي أدت بدورها إلى زيادة الإنتاج ورفع الاقتصاد الوطني.
المطلب الثاني: العامل السياسي و الاقتصادي:
ومن العوامل السياسية نجد:
سياسة الحرية الاقتصادية : في الفترة الممهدة لقيام الثورة الصناعية بدأت الأفكار الفلسفية و الاقتصادية تتجه نحو رفع شعارات حرية العمل، حرية الإنتاج وحرية الاستهلاك، وكان رائد هذا الفكر آدم سميث وريكاردو وخاصة في بريطانيا مما جعلها تترك الحرية والباب مفتوحا للأفراد للدخول في ميادين الإنتاج المختلفة على عكس ما نادى به أصحاب المدرسة التجارية، كذلك اتبعت الحكومات سياسة تخفيض الضرائب على رؤوس الأموال الموظفة في الصناعة .
أما العامل الاقتصادي يتمثل في:
- اتساع التجارة الأوروبية الداخلية والخارجية: وقد أدى ذلك إلى:
- الكشوفات الجغرافية و توسع السوق العالمي
- التقدم في وسائل النقل البري
- التقدم في وسائل النقل البحري
- تراكم رؤوس الأموال في يد التجار والصناع الأوروبيين
توافر رؤوس الأموال: أدى إلى تمويل المخترعات والأبحاث والاستمرار في توسيع المشروعات الصناعية و السلع الإنتاجية ، وقد لجأت بعض الحكومات الأوروبية التي لا تتوافر لها رؤوس أموال كبيرة في إتباع سياسات مختلفة لتوفير رؤوس الأموال اللازمة للصناعة منها :
- إقراض بعض الصناعات و الاشتراك في البعض الآخر
- إعادة تقييم العملة بفرض زيادة عرض النقود وحل مشكلة ندرة رأس المال
- زيادة الادخار الإجباري
- قيام الشركات المساهمة التي استطاعت أن تجمع المدخرات وتوجيهها للصناعة في شكل قروض
- قيام البنوك بنفس العملية كذلك لعب دور رئيسي في تمويل المشاريع
المبحث الثالث: مظاهر ونتائج الثورة الصناعية
ظهور نظام المصانع: بقيام المخترعات واستخدام الآلات بشكل واسع، ظهر نظام المصانع الذي أدى إلى تغيير كبير في الصناعة خلال المرحلة الأخيرة من القرن الثامن عشر، فبعد أن كانت الصناعة مبعثرة في مناطق متعددة بدأ التحول في تمركز الصناعة في مناطق معينة، كما أن عدد العمال زاد في نظام المصانع إذ تشير بعض الإحصائيات الأولية عام 1830م أنه كان عدد العمال يبلغ 175 في أحد المصانع، و93 في مصنع الحرير بينما كان عددهم يتراوح بين 1500 و2000 في مصانع الحديد.
أدى هذا الوضع الجديد إلى زيادة نفوذ أصحاب الأموال للسيطرة على معظم عوامل الإنتاج كما أدى هذا التحول إلى خلق طبقة جديدة وهي طبقة المديرية، مما دعا إلى توسيع شركات المساهمة.
تركز السكان في المدن: خلق نظام المصانع وتركز الصناعة في مناطق معينة وخاصة في مناطق استخراج المواد الأولية، أدى إلى تركز السكان في المدن التي تقام بها الصناعة، فكان سكان المدن في بريطانيا في القرن التاسع عشر يمثلون 75 % من إجمالي السكان، أما في ألمانيا فبلغ حوالي 66 % بينما في فرنسا لم يصل 50 %.
المطلب الثاني: نتائج الثورة الصناعية
زيادة الثروة القومية: نتيجة للثورة أصبحت دول أوروبا الصناعية تتمتع بمقدرة إنتاجية عالية، فازدادت الأرباح وتضاعفت الدخول، كما حققت الدول زيادة كبيرة في إيراداتها من الضرائب وغيرها، إذ أصبحت ميزانيتها ذات أهمية كبيرة للتأثير على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية .
ارتفاع مستوى المعيشة: توفرت فرص العمل للعمال في عدد من المناطق الخاصة في الولايات المتحدة، إذ كانت الأجور مرتفعة، أما في أوروبا فكان معدل الأجور ضعيف جدا وخاصة في بريطانيا نظرا لرجال الأعمال الذين كانوا يسعون لتحقيق أرباح عالية .
نشوء الخلاف بين العمال وأصحاب العمل: نضام المصانع أدى إلى تجمع العمال في حرفة واحدة ونظرا لتوسع المصانع أصبح العمال يشكلون قوة عمل هامة، لذلك بدؤوا بالمطالبة بزيادة أجورهم وتحسين شروط العمل، مما دعا إلى تكوين النقابات العمالية .
نمو التجارة الخارجية: وتعتبر سبب و مظهرو نتيجة للثورة الصناعية , فقد ازدهرت تجارة اروبا الخارجية نتيجة لازدهار صناعتها , و حدث أن أصبحت السمة الغالبة عليها أنها تصدر مواد و منتجات صناعية و تستورد مواد أولية لازمة لصناعتها .
خاتمة
نستنتج مما سبق أن الثورة الصناعية التي قامت في أوروبا في النصف الثاني من القرن 18م وبداية القرن 19م، ساهمت كثيرا في التغيرات التي حدثت في أوروبا خاصة والعالم بشكل عام حيث مست مختلف الميادين الاقتصادية ،الاجتماعية ،الثقافية و السياسية وكان لها دور كبير في دفع عجلة التطور، لكن استغلت من طرف الأوربيين الرأسماليين (الرأسمالية المطلقة) الذين مكنتهم من التفوق ماديا فوظفوا نتائجها في تحقيق أطماعهم الاستعمارية على حساب الشعوب الضعيفة في إفريقيا و آسيا
كما يمكنك زيارة صفحة بحوث جامعية جاهزة.
من فضلكم مراحع المقال
ردحذف